لاتقتصر التحديات التي تواجه عالم اليوم علي الانهيار المالي والاقتصادي, والكوارث الطبيعية, ومشاكل الفقر والبطالة والأمراض والجريمة.. واختلال توازنات البيئة اصبح يضاف إليها مشكلة نقص المياه التي هي ركيزة الحياة للانسان والحيوان والنبات.
وترتبط قضية المياه بجوانب كثيرة من جوانب الحياة, فالحياة ذاتها لاتستمر بدون المياه للكائنات جميعا, كما ترتبط بقضية الأمن الغذائي, والغلاء والاسعار, والفقر والبطالة والصحة والنظافة وتتصل بمشكلة التغير المناخي الذي نتج عنه تناقض ما بين فيضانات وسيول من ناحية, وجفاف وتصحر من ناحية أخري, كما ان لها علاقة وثيقة بمسائل الديمقراطية والمشاركة وحقوق الانسان وسلوك المواطن والثقافة العامة.. جوانبها متعددة تتفاوت بين نوعية المياه وخلوها من التلوث ومصادر المياه والوفرة, كما تثير وبشدة قضايا الالتزام والاهدار وضرورة الترشيد.
وهي تؤثر تأثيرا مباشرا في السلام وقيام ما يسمي حروب المياه.
لقد اصبحت عاملا اساسيا في استقرار السلام, والنظرة المستقبلية تشير إلي ان الحروب القادمة سوف تتعلق بالنزاع حول المياه.. وبعضها بدأ بالفعل.. انها قضية بقاء أو فناء.
برغم كل ذلك الحقائق فإننا في مصر لدينا في هذا المجال وزير كفؤ وعلماء أفاضل لكن ليس لدينا الوعي اعام بالأبعاد المختلفة للقضايا المتعددة التي يثيرها ذلك الذهب الازرق السائل الرقراق الذي كاد يصبح أهم من البترول, ولا الدراية الكافية بالمخاطر التي قد تنجم عن أزمة المياه.
هذه الحقيقة تفرض علينا اختراق هذه القضية بحملة قومية جادة تهدف إلي التوعية بابعاد القضية والدعوة إلي ترشيد الاستهلاك, مع التعريف بوسائل الحد من الاستنزاف ودور الحكومة والمواطن في تحقيق الاستثمار الأمثل لما هو متاح, إلي جانب البحث عن مصادر اخري للمياه.
***
ونقطة البداية في التوعية التعريف بالحقائق الاساسية عن المياه حتي نستوعب ابعاد القضية التي اصبح يطلق عليها الأمن المائي.
وتبدأ جولة التعريف بتوضيح حقائق اساسية تتعلق بواقع الحالة المائية كونيا واقليميا ووطنيا:
ـ الحقيقة الأولي تقول ان سبعة اعشار الأرض تغطيها المياه. مما يعطي انطباعا بالوفرة, لكن89% منها في البحر والمحيطات اي مياه مالحة, يبقي2% مياها عذبة هذه منها1,7% متجمد في الأقطاب أو علي بعد عميق من سطح الارض
هذا يعني ان كمية المياه المتاحة لاستخدام البشر والكائنات وزراعة الارض والتصنيع, الخ لاتزيد عن0,3% من المياه بينما الكميات الهائلة الأخري التي يشملها الكون مالحة أو في غير متناول الانسان بسهولة.
ويعني ايضا ان التصور السائد ان المياه متوافرة وكثيرة تحيط بنا في كل مكان ومساحاتها بين القارات وداخلها شاسعة, تصور خاطيء لابد من تصحيحه ان اردنا ان نواجه الواقع ونشعر بضرورة التمعن في قضية الأمن المائي والحفاظ علي احد الموارد الاساسية للحياة
والاهتمام بالمياه ليس امرا حديثا فقد ادرك الانسان الأول قيمة المياه وتأثيرها علي الحياة وكان الاستقرار وقيام المجتمعات والحضارات علي ضفاف الانهار سواء في مصر أو العراق أو الصين. برع الفراعنة في التعامل مع المياه فأقاموا الجسور والمقاييس وابتكار وسائل الحفاظ عليها, ونعلم جميعا ان القاء ملوثات في نهر النيل العظيم كان خطيئة تستحق عقاب الحرمان من الجنة ودخول جهنم!
كان الانسان عندئذ قريبا من الطبيعة يتواصل معها تكاد تحدثه ويتحدث معها, بينهما تفاهم وتواصل ثم تعقدت احوال الحياة وانهمك الانسان فيما اطلق عليه التقدم والتصنيع والبناء وسائر جوانب السلوك التي تنتهك الموارد. جعل يستنزفها إلي ان ظهر الواقع الذي يؤكد ان شريان الحياة الذي هو الماء اقل من القدرة علي الوفاء بمتطلبات الانسان الذي زادت مطالبه وتضاعفت اعداده.
***
نعود إلي البيانات والأرقام لنبين انه خلال الـ70 عاما الماضية زاد عدد سكان العالم ثلاث مرات كما زادت استخدامات المياه ست مرات بينما كمية المياه كما هي ـ بل انخفضت نوعيتها ـ هذا يعني ان نصيب الفرد من المياه انخفض من12 الف م3 عام1960 إلي نحو7000 م3 عام2000 ومن المتوقع ان ينخفض إلي4000 م3 عام2025.
* نحو1,2 مليار نسمة, أومايقرب من خمس سكان العالم, يقطنون مناطق تندر بها المياه, و500 مليون نسمة أخرين مهددون بالندرة و2.6 مليار اخرين تنقصهم مرافق الصحة العامة.
* ان هناك80 دولة يعيش بها نحو40% من سكان العالم معرضة لفقدان الأمن المائي وأنه كل يوم يموت ما بين15,000 ـ20,000 شخص لاسباب تتعلق اما بتلوث المياه أو عدم توفير المياه.
* ان الندرة الفائقة في المياه قد تؤدي إلي نقص طعام العالم بنسبة10%, وبالتالي ارتفاع أسعار المحاصيل لتصبح خارج متناول1,3 مليون شخص دخلهم دولار واحد أو اقل يوميا, والحديث مستمر.
منقول ،،،،،،،،،، الأهرام